-->

كيف يتم التفتيش عن الثقوب السوداء؟

كيف يتم التفتيش عن الثقوب السوداء؟


كيف يتم التفتيش عن الثقوب السوداء؟

يلاحظ مكلنتوك أن الطبيعة السريعة الزوال للمستعرات المصدرة للأشعة السينية، وهي الخاصية التي كانت أول ما جذب انتباه الفلكيين، تجعل من المستعرات حقلا مثمرا للدراسة. وأثناء هيجان منبع للأشعة السينية، فإن الوهج glare يحجب مركّبات المستعرات، لكن ما إن يذوي هذا المنبع حتى يصبح من السهل رصد النجم الرفيق وقياس حركته، ومن ثم استنتاج كتلة الجسم الغريب الذي يجري الدوران حوله.

ومن الناحية النظرية، فإن أي جسم منهار تتجاوز كتلته ثلاثة أمثال كتلة الشمس يولد حقلا تثاقليا لا يقاوم بحيث يتقلص الجسم إلى ثقب أسود. وقد أمضى مكلنتوك وآخرون أكثر من عقد من الزمان وهم يفتشون منهجيا عن جسم يتجاوز هذا الحد السحري.

وخلال عامي 1991 و 1992 بدأت المعطيات تبدو واعدة على نحو متزايد. وعلى سبيل المثال، ففي العام 1992 ، قام < J .كاساريس> (من معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكاناري بإسبانيا) ومجموعة من معاونيه بتحليل المستعر V404 Cygni ، وهو مستعر مصدر للأشعة السينية (يبعد عن الأرض 7000 سنة ضوئية) ثار عام 1989. وقد أعلنوا أن النجم غير المرئي يجب أن يحوي من الكتلة حدا أدنى يعادل نحو 6.3 كتلة شمسية، وهذا ما يجعل المستعر V404 Cygni ، على حد قول مكتشفيه، «أكثر الحالات المقنعة التي تثبت صحة وجود ثقب أسود.»

إن هذه الصورة المركبة التي حصلت عليها الآلة COMPTEL، هي إحدى الآلات المثبتة على متن مرصد كومپتون لأشعة غاما، تعطي فكرة عن الطبيعة الغريبة لبعض منابع الأشعة الغاماوية في السماء. إن نبَّاض السرطان Crab pulsar هو أسطع المنابع المستمرة لأشعة غاما، وهو يومض 30 مرة في الثانية. وفي الشهر8/1992 ازداد سطوع المستعر Nova Persei 1992 بمقدار 000 100مرة، لكن نوره يخبو الآن نحو الظلام التام. ويتغير الكوازار في خلال أيام. أما انبثاق أشعة غاما فقد تألق بتوهج استثنائي، لكنه زال بعد عشر ثوان فقط.

إن السلوك غير المنتظم والجامح للمستعرات المصدرة للأشعة السينية قد يحوي في طياته دلالات مهمة عما يحدث عندما يوجد ثقب أسود في جوار نجم عادي. ويقول مكلنتوك: «ليس واضحا وضوح الشمس سبب انطفاء المستعرات المصدرة للأشعة السينية ـ لكن هذا يحدث.» ويذهب أحد تفسيرات آلية القطع switching mechanism إلى أن الثقب الأسود بحاجة ماسة إلى الوقود معظم الوقت، باستثناء حالات عرضية متفرقة حين ينتفخ النجم الرفيق سالخا عنه طبقاته الخارجية التي تذهب إلى الثقب. ويفترض نموذج آخر أن الغاز الصادر عن النجم العادي يتراكم في قرص يحيط بالثقب الأسود إلى أن يبلغ القرص حالة حرجة، وعند هذه النقطة يندفع الغاز بحركة لولبية نحو الداخل مطلقا وميضا من الإشعاع.

إن البحوث النظرية، التي أجراها < W .شين> (من گودارد) بالاشتراك مع گيرلس و< M . ليفيو> (من معهد علوم المقراب الفضائي في بالتيمور)، تدعم التفسير الأخير. وتلاحظ مجموعة شين أن المستعرات المصدرة للأشعة السينية غالبا ما تُحْدِث سطوعا ثانويا أو سطوعين ثانويين بعد انقضاء شهرين على الانبثاق الأولي للأشعة، وقد اكتشف مرصد كومپتون لأشعة غاما هذا السلوك في المستعر

1992 Nova Persei ، وهو مستعر مصدر للأشعة السينية ساطع على نحو غير عادي ثار في عام 1992. ويقول گيرلس: «إننا نظن الآن أننا  نعرف ما الذي يسبب ذلك.» ويظن هو وزملاؤه أن هناك عدم استقرارinstability في قرص التنامي يطلق الانفجار الأولي للأشعة السينية. بعد ذلك يقوم إشعاع صادر عن الجوار المباشر للثقب الأسود بتحرير مادة من سطح النجم الرفيق، وهذه المادة تسقط في نهاية المطاف في الثقب مولدة التوقد flare التالي للأشعة السينية.

ونظرا لتحسن نوعية أرصاد الأشعة السينية وكميتها، فقد اكتشف الباحثون مظهرا مثيرا للاهتمام يتسم بالتكرارية لارتعاش المستعرات المصدرة للأشعة السينية. فعندما قامت مجموعة يرأسها < S .W.پاسييساس> (من جامعة ألاباما في هنتسڤيل) باستخدام مرصد كومپتون لأشعة غاما لمراقبة المستعر Nova Persei 1992 اكتشفت أن سطوعه يتغير على نحو تكراري، لكنه غير منتظم تماما؛ ويطلق الفلكيون على هذه التغيرات اسم الاهتزازات شبه الدورية quasiperiodic oscillations . وقد سجل الساتل الياباني جينگا Ginga ترجُّحات fluctuations مماثلة في عدة مستعرات أخرى مصدرة للأشعة السينية. وخلال عام 1992، لاحظ عدد من الباحثين تغيرات شبه دورية أيضا في «الدجاجة» Cygnus X-1 ، وهو نظام يحوي نجما ثنائيا كان يظن لمدة طويلة أنه يحوي ثقبا أسود.

يثور المستعر المصدِر للأشعة السينية عندما تتدفق مادة من نجم عادي على رفيقه المنهار، الذي قد يكون ثقبا أسود. إن الغاز الذي يدور حول الثقب الأسود يسخُن ويبث وابلا من الأشعة السينية قبل أن يتم ابتلاعه (في الأسفل)، وثورانات المستعر متقطعة كما يُرى في منحني سطوع Nova Persei 1992 (في الأعلى). ويحتمل أن يكون السطوع الثانوي للمستعر ناجما عن عدم استقرار في النجم العادي أحدثه إشعاع صادر عن الجوار المباشر للثقب الأسود.

ويقول < P .J .نوريس> من گودارد: «إن الاهتزازات شبه الدورية تنطلق ـ على نحو مفاجئ ـ في جميع بقاع السماء، مما يجعلنا نحار فيما يجري.» وحتى عهد قريب، كان معظم الباحثين يعتقدون بأن الاهتزازات لا يمكن أن تحدث إلا حول نجوم كالأقزام البيض والنجوم النيوترونية، التي لها سطوح صلبة دوارة. لكن الثقوب السوداء لا تملك البتة مثل هذه السطوح بمعناها التقليدي. وتقتضي عملية الحذف process of elimination أن الاهتزازات يجب أن تنشأ في قرص التنامي، لكن نوريس يعترف بأن «لا وجود لنظرية جيدة واحدة حول المنشأ الدقيق لاهتزازات الثقب الأسود.».

وللاهتزازات التي بُلِّغَ عنها حتى الآن أدوار تراوح ما بين 10 و 100 ثانية ـ وهذه أبطأ من أن تكون ناجمة عن دوران الأجزاء الداخلية للقرص. ويذهب  < E .گُوتِيلْفْ> (من جامعة كولومبيا) إلى أن الاهتزازات قد تحدث عندما تتمزق خطوط الحقل المغنطيسي وتتصل ثانية في القرص الذي يُدوّم بسرعة.

ولّد البحث عن الثقوب السوداء في النجوم الثنائية المصدرة للأشعة السينية اهتماما كبيرا لدى الباحثين وقليلا من المفاجآت، ولكنه لم يتوصل إلى مجاراة ادعاءات بعض الباحثين بأن مركز درب التبانة هو مقر لثقب أسود عملاق يحوي قرابة مليون كتلة شمسية [انظر: «ماذا يحدث في مركز مجرتنا؟» مجلة العلوم ، العدد 7 (1992) ، صفحة 34]. وقد يخال المرء أن تحديد موقع آلة مفترسة عملاقة تقبع في مركز مجرتنا التي نقطنها سيكون مسألة بسيطة، لكن الشواهد على ذلك تظل في الحقيقة غير حاسمة. وحتى السير < J .M.ريز> (من جامعة كامبردج،  وهو أحد المؤيدين الرئيسيين لهذه الفكرة) يقر بأن «الدليل ليس قاطعا»، ولكنه يؤكد ـ بابتسامة تعلو شفتيه ـ أن «لا وجود لدليل قوي ضدها.»

كما أن ريز وآخرين يقدمون حججا عامة تؤيد وجود ثقب أسود في قلب المجرة. وكثير من المجرات، بل معظمها، يمر بطور مبكر مضطرب، وخلال هذا الطور يكون في مركزها مناطق متألقة نشيطة. ويقدر < J.تْرُومْپَرْ> (من معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج الأرض Max Planck Institute for Extraterrestrial Physics في گارشنگ) بأن الساتل رونتگن قد رصد 25000 من هذه المناطق التي يطلق عليها اسم النوى المجرِّية النشيطة active galactic nuclei . ويعتقد معظم المنظرين بأن هذه المناطق تُغذَّى بالطاقة بوساطة ثقوب سوداء أضخم جدا من تلك الثقوب التي تُقرَن بالنجوم الثنائية المصدرة للأشعة السينية. ومثل هذه العمالقة المنهارة يجب أن تكون هاجعة بهدوء في مجرات أقدم وأقرب. وإذا صحَّت هذه النظرية، فإن درب التبانة يحتمل أن يحوي ثقبا أسود أيضا.